إن الغاية الكبرى والهدف الأسمى من الصوم هو التقوى
فلقد أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " سورة البقرة 183
وقد جاء تفسير التقوى عن جمع من السلف رحمهم الله تعالى فهذا علي رضي الله عنه قال : التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل
إنها الغاية الكبرى التي نجنيها في هذا الشهر العظيم إنها التقوى
وتحقيق هذا المعنى العظيم يكون بعدة أمور منها:
أ. احتساب الأجر في صيام هذا الشهر وقيامه، وأن من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه قال صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه
ب. تأمل سيرة السلف الصالح وحالهم في رمضان واجتهادهم في العبادة فيه.
ج. الحرص على مصاحبة الأتقياء الأنقياء الأصفياء: فهم العون بعد الله على المشاركة الأخوية في الطاعات والعبادات الرمضانية، وخير معين لتحقيق هذا المعنى الرائع "التقوى".
وهنا يقول الشيخ عبدالرحمن الدوسري - رحمه الله - :
وسر ختام آية الصيام بالتقوى: أن إعداد نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوه كثيرة، أعظمها شأناً وأظهرها أثراً وأعلاها شرفاً أن الصيام أمره موكول إلى نفس الصائم وضميره، لا رقيب عليه فيه إلا الله، فهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد سواه، لأنه يستطيع أن يفطر سراً مختفياً عن أقرب قريب، ولكنه لتقوى الله يلتزم الأمانة في حفظ الصيام، مهما سنح له ما يشتهي أو يغري. فمواصلة ذلك شهراً كاملاً عن تقوى ومراقبة وحياء من الله يصاحبه في هذه المدة، يحصل بها نزاهة الضمير، وضبط النفس، وإعدادها لما يؤهلها للخير، وتحمل الأذى في سبيل الله، ويقوي عزيمتها في كل إقدام وإحجام، ويتقوى أيضاً بصومه الصحيح على كبح جماح شهوته ونزوات نفسه.
ومن أجمل ما دونته سيرة عمر بن عبد العزيز تلك الوصية التي كتب بها إلى أحد رجال ذلك الزمان فقال :
أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لايقبل غيرها ، ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها ؛ فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل ، جعلنا الله وإياك من المتقين .
وصدق رحمه الله تعالى في كون الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل . فإن هذا أوضح ما يكون في مثل هذا الزمان . وإلا فهي أعظم عاصم عن الفتنة ، وأقوى حجاباً عن المعصية ، وهي ستار واقٍ بين العبد وبين الرذائل من الأقوال والأفعال ، وما سكنت قلب إلا ازدادت طمأنينته ، وعظم خوفه ، وقرب من ربه ، وراج ذكره بين الناس .
قال بن رجب رحمه الله تعالى : ومن صار له هذا المقام حالاً دائماً أو غالباً ـ يعني التقوى ـ فهو من المحسنين الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ، ومن المحسنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم .
فتقوى الله في السر هي علامة كمال الإيمان ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبه الثناء في قلوب المؤمنين .
قال أبو الدرداء : ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، يخلو بمعاصي الله ، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ذو التقى لأنه ولي الله ويحبه الله وهو الأكرم عند الله .
قال الله تعلى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " الحجرات 13
والتقوى : فيها جميع الخير كله ، وهي وصية الله في الأولين والآخرين .
فكما يكون الطعام زاد الدنيا فإن زاد الآخرة هو التقوى وهي خير لباس .
قال تعالى " ولباس التقوى ذلم خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " سورة الأعراف 26
قال تعالى " إن للمتقين مفازا " النبأ 31
قال تعالى " إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم " القلم 34
قال تعالى " هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب " ص 49
وقد أخبر الله تعالى أنه يحب المتقي وأنه وليه ومعه ويتقبل منه ويجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب وأنه يجعل له من أمره يسراً وأنه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً وأنه ينجيه وأنه لا خوف عليه ولا هو يحزن وأن الآخرة له وأن له جنات ونعيم وأجر عظيم وأنه في مقام أمين وهو الفائز والمتقي في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
إن رمضان أيها الصائمون من أعظم الفرص لتحقيق هذه التقوى
وعلينا أن ندرك أن الذنب مهما صغر في أعيننا إلا أنه سوف يجرح التقوى وحين نستمر في الخطيئة فسوف تضيع التقوى من قلوبنا